بحـث
المواضيع الأخيرة
سحابة الكلمات الدلالية
قصة ولادة الرسول صلى الله عليه وسلم
صفحة 1 من اصل 1
قصة ولادة الرسول صلى الله عليه وسلم
يَومٌ مَرَّ على أهلِ مَكَةَ لَم تَشْهَد لَهُ مَثِيلاً ، ذلكَ اليومَ الذي بَقِيَ خالِداً فِي ضَمائر الناسِ وَعُقُولِهِم ، تَتَجَسَّمُ وَقائِعُهُ في مُخَيَّلَةِ كُلِّ فَردٍ منهمُ على مَدى الأَعوامِ ، في ذلِكَ اليوم تَيَقَّنَ أهلُ مَكَةَ أَنَّ مُعجِزَةً قَد حَصَلَتْ ، فَوَقَفَ كُلُّ واحِدٍ مِنهُم يُحاوِلُ أَن يَجِدَ عِندَ الآخَرِ تَفسِيراً لِدَهشَتِهِ وَتَعَجُّبِهِ.
فقال أحدهم لآخر : يا أخِيَ ، رَوائحُ المِسكُ الاََذفَرِ والنَدِّ - عود طيّب الرائحة يُسمى : البخور - والعَنبَرِ تَعبِقُ فِي كُلِّ مَكانٍ ؟! فأجاب : قَدْ سَمِعتُ بِما هُوَ أَعجَبُ مِن هذا ، قَبلَ ساعَةٍ كانَ عَبدُ المُطَّلِبِ يَطُوفُ بالكَعبَةِ .
فُجأةً وإِذا بالأَصنامِ تَتَساقَطُ وَتَتَناثَرُ ، وَالصَنَمُ الكَبِيرُ يَسقُطُ على وَجهِهِ ، الأََمرَ الذي جَعَلَ عَبدَ المُطَّلِبِ يَخرُجُ مُسرِعاً مِنَ الكَعبَةِ ، وكَأَنَّ ما حَدَثَ أَمامَهُ إشارَةٌ لَهُ على وُقُوعِ حَدَثٍ مُهِمٍّ !!
فقال : حَدَثٌ مُهِمٌّ !! مِثلَ ماذا ؟!
فأجاب : لا أَدرِي ؟!
بَقِيَ الناسُ على هذِهِ الحالِ حَتّى حَضَرَ عَبدُ المُطَّلِبِ فَالتَفَّ حَوَلَهُ أَهلُ مَكَةَ مُستَفسِرِيِنَ فِي دَهشَةٍ بالِغَةٍ ، بَينما كان فرِحاً مُستَبشِراً فَبادَرَهٌم قائلاً :
لقد ولدت آمنة محمداً ، فلمّا رأيت ما حلَّ بالأصنام تلجلج لساني ، وحار عقلي ، وخفق فؤادي حتّى صرت لا أستطيع الكلام .
فخرجت مسرعاً أريد باب بني شيبة - وهي إحدى أبواب الحرم المكّي - وقد رأيت الصفا والمروة يركضان بالنور فرحاً .
ولم أزل مسرعاً حتّى قربت من منزل آمنة ، وإذا بغمامة بيضاء عمّت منزلها ، ولم أعد أبصر طريقي من شدّة تلك الرائحة الطيّبة التي تنبعث من المنزل .
قالَ أَحَدُهُم : إذَن فَقَد رَأَيتَ مُحَمَّدَاً ؟!
فقال : لا ، وَقََد سَأَلتُ آمِنَةَ عنهُ حِينَ دَخلتُ عَلَيها ، فَقالَتْ لِي : قَد حِيلَ بَيِني وَبَينَه ، وَقَد سَمِعتُ هاتِفَاً يَقُولُ لِي : لا تَخافِي عَلى مَولُودِكِ ، سَيُرَدُّ إِلَيكِ بَعدَ ثَلاثَةِ أَيامٍ .
أَقبَلَتْ نِساءُ مَكَةَ على آمِنَةَ بِنتِ وَهَبٍ مُهَنِّئآتٍ لَها ، وَمُندَهِشاتٍ مِنْ عَدِمِ إرسالِ آمِنَةَ في طَلَبِهِنَّ فِي وَقتِ مَخاضِها وَوِلادَتِها .
فَقالَتْ لَهُنّ : طالَما عَجِبتُ حِينَ دَخَلَتْ عَلَيَّ أربَعُ نِسوَةٍ طِوال ، تَفُوحُ مِنهُنَّ رائحَةُ المِسكِ وَالعَنبَرِ ، مُتَنَقِّباتٍ ، وَبِأَيدِيهِِنَّ أَكوابٌ مِنَ البَلُّورِ الاََبيَضِ
فَجَعَلْتُ أَنظُرُ إِلَيهنَّ فَلَمْ أَعِرِفْ واحِدَةً مِنهُنَّ ، تَقَدَمنَّ مِنِّي وَقُلنَ لي : اشرَبِي يا آمِنَةَ مِنْ هذا الشَّرابَ ، فَلَمَّا شَرِبتُ أَضاءَ في وَجهِي نُورٌ ساطِعٌ وَضِياءٌ لامِعٌ ، فَسَأَلتُهُنَّ مُتَعَجِّبَةً مَمّا يَحدُثُ لِي ، فَقُلنَ : أَبشِرِي بِسَيِّدِ الأََوَلِّينَ وَالآخِرِينَ .
مُحَمَّدُ بنُ عَبِد اللهِ بنِ عَبدِ المُطَلِّبِ المُصطَفى ( صلى الله عليه وآله ) ، وإنّا جِئنا لِنَخدِمَكِ فـَلا يَهُمَّكِ أَمرَكِ
وَجَلَسَتْ الحُورِياتُ حَوَلِي ، فَهَوَّمَتْ عَيِناي وَغَفَوتُ غَفْوَةً فَلَمْ أنتَبِه مِنها حَتّى وَجَدتُ المَولُودَ وَقَد وَضَعَ جَبهتهُ عَلى الأََرضِ ساجِداً لله ، رافِعاً سُبّابَتَهُ ، مُشِيراً بها إلى السَماءِ وَهُوَ يُرَدِّدُ : ( لا إِله إِلا الله ) .
وبَعدَ ثَلاثَةِ أَيّامٍ دَخَلَ عَلَيهِ جَدُّهُ عَبدُ المُطَّلِبِ ، فَوَضَعَهُ بَينَ يَدَيهِ فَرِحاً بِهِ مُستَبشِراً ، وَهَوَ يُرَدِّدَ قائلاً : الحَمدُ لله الذي أَخْرَجَكَ بَعَدَ أَنْ وَعَدَنا بِمقدَمِكَ إلينا .
وصَمَتَ بُرهَةً ثُمّ أردَفَ : بَعَدَ اليوِمِ لا أُبالي إنْ أصابَنِيَ المَوتُ
ثُمّ التَفَتَ إلى آمِنَةَ قائلاً : يا آمِنَةَ احفَظِي وَلَدي هذا ، فَسَوفَ يَكُونَ لَهُ شَأنٌ عَظِيمٌ .
كُلُّ هذا الَذِي حَصَلَ جَعَلَ أَهلَ مَكَةَ يَهتَمُّونَ بِمُحَمَّدٍ ( صلى الله عليه وآله ) ، وَعَلى مَرِّ الزَمَنِ عَرِفَ الناسُ أَنَّهُ الوَحَيِدُ الذي يَتَمَتَّعُ بِكافَةِ الخِصالِ الحَمِيدَةِ ، وَالتي كانَ مِنْ أَهَمِّها الصِدقَ والأََمانَةَ ، فَاشتَهَر بَينَهُم بـ (الصَادِقُ الأََمِينُ(
وَذاتَ يَومٍ انهالَتْ السِيولُ غِزيَرةً مِنْ أَعالِي الجِبالِ المُحِيَطةِ بِمَكَةَ المُكَرَّمَةَ ، مِمّا تَسَبَّبَ فِي وُقُوع حادِثَةٍ جَعَلَتْ أَهلَ مَكَةَ فِي حَيَرةٍ مِنْ أَمرِهِمْ ، وَهُم يَنظُرُونَ إلى تِلكَ السُيُولِ التي دَخَلَتْ الكَعبَةَ الشَريِفَةَ فَتَصَدّعتَ جُدرانَها ، وهو الأََمرَ الذي دَعاهُمْ إلى عَقِدِ اجتِماعٍ فِيما بَينَهُم للتَّداوُلِ في أَمرِ الكَعبَةِ .
فقالَ أَحَدُهُم : ما رَأيُكُمْ أَنْ نَهدِمَ الكَعبَةَ وَنَبنِيها مِنْ جَدِيدٍ ؟ فِكْرَةٌ جَيِّدَةٌ ، وَيُمكنُنا أَيَضَاً أَنْ نَزِيدَ في عَرضِها أو ارتِفاعِها
قالها آخَرُ وَأَيَّدَهُ مُعظَمُ الحاضِرِينَ ، وَلكِّنْ سُرعانَ ما أَشارَ إِلَيهِم شَخصٌ ثالِثٌ قائلاً : مَهلاً ، أَلا تَخشَونَ أَنْ تَنزِلَ عَلَينا عُقُوبَةً مِنَ السماءِ ، لَو شَرَعنا بِتَهدِيمِها ؟
فقال : حَقّاً وَلكِنْ ما العَمَلْ إذن ؟!
قالَها مُعظَمُهُم وَقَد تَسَرَّبَ الخَوفَ إلى قُلُوبِهم ، فَأَشفَقُوا مِنْ وَضعِ مَعاوِلهِم فِيها خَشيَةَ نزُولِ العُقُوبَةِ ، وَبَينما هُم على هذِه الحالَةِ قالَ لَهُمْ رَجُلٌ يُدعى الوَلِيدُ بن المُغِيَرةِ : يا قَوم نَحن لا نُرِيدُ إِلاّ الإِصلاحَ ، أُنظُروا سَأصعَدُ أَمامَكُمْ إلى أَعلى الكَعبَةِ وَأُحَرِّكُ حَجَراً مِنها .
وَراحَ الوَلِيدُ بن المُغِيرَةِ يَتَسَلَّقُ جِداراً مِنَ الكَعبَةَ حَتّى وَقَفَ عَلَيهِ ، وَأَهلُ مَكَةَ يُحَدِّقُونَ فِيه ، وَهُوَ يَمُدُّ يَدَهُ لِيُحَرِّكَ حَجَرَاً مِنهُ .
فُجأَةً وإذْا بالصُراخِ أَخَذَ يَتَعالى وَقَد استَبَدَّ الرُعبُ بالناسِ فَراحَوا يَتَضَرَّعُونَ إلى اللهِ : اللهم إنّا لا نُريدُ سِوى الإِصلاحَ !!
لَقَد خَرَجَتْ أَفعى رَهِيبَةً مِنْ خِلالِ الجِدارِ ، مِمّا جَعَلَ الوَلِيدَ بنَ المُغِيرةِ يُسارِعُ بالنِزُولِ وَقَد استَبَدَّ بهِ الفَزَع ، وَلَيسَ هذا فَقَط بَلْ حَتّى الشَمسَ غابَتْ مُنكَسِفَةً مِن جَرّاءِ ذلك ، وفِي هذهِ الأََثناءِ رَفَعَ شَيخٌ صَوَتَهُ قائلاً لَهُم : يا قَومِ ، يا قَومِ ، إِنَّ اللهَ تعالى لا يَرضى أَنْ تُنفِقوا في بِناءِ بَيتِهِ الشَريِف أَموالاً اكتَسَبتُمُوها مِنْ حَرامٍ فليُساهِم كُلُ رَجُلٍ مِنكُمْ في بِناء الكَعبَةِ بِمالٍ طَيِّبٍ اكتَسَبَهُ مِنْ حَلالٍ .
فعَمِلَ الرجالُ بَما سَمِعُوهُ مِنَ الشَيخِ ، حَتّى جَمَعُوا الأَموالَ وَهُم يَقُولونَ : سَنُنُفِقُ هِذه الأَموالَ في بِناء بِيتِ اللهِ الحَرامِ
فَعادَتِ الشَمسُ إلى حالَتِها الطَبِيعيةِ ، وَقد شاهَدَ الناسُ نِسراً يَهبِطُ على جِدارِ الكَعبَةِ ، فَيَلتَقِطُ الأَفعى وَيُحَلِّقُ بِها عالِياً ، فَعَرِفُوا مِن خِلالِ ما حَصَلَ أَمامَهُم أَنَّ الله تَعالى قَد أذِنَ لَهُم فيما صَمَّمُوا عَلَيهِ ، فراحُوا يُباشِرُونَ عَمَلَهُم .
فانهَمَكَ الرِجالُ فِي تَهدِيمِ الجُدرانِ المُتَصَدِّعَةِ حَتّى وَصَلُوا إلى القَوِاعِدِ التي وَضَعَها نَبِيُّ اللهِ إبراهِيمُ الخليلُ ( عليه السلام ) فَأَرادُوا تَحرِيكَها لِتَعريِض الكَعبَةِ الشَريِفَةِ .
ولكِنْ عِندَما شَرَعُوا بِذلِك حَصَلَ ما لَم يَكُن بالحُسبانِ فَقَد اهتَزَتْ الأََرضُ تَحتَ أَقدامَهُم ، وَأَصابَتْ مَكَةَ ظُلمَةٌ شَدِيدَةٌ جَعَلَتهُمْ يَعيشُونَ لَحظاتَ الفَزَعِ مِنْ جَديدٍ .
فَعَرِفوا أنَّ ما أَصابَهُم هُوَ بِسَبَبِ تَحرِيكِ القَواعِدَ فَعَدَلوا عَن ذلِكَ
اِرتَفَعَتْ جُدرانُ الكَعبَةِ الشَرِيَفةِ في بِناءٍ جَدِيدٍ وَقد اشتَرَوا أَخشاباً لِتَسقِيفَها ، وَزِينَةً لِتَزيِّنَها ، وَلمَّا جاءَ دَورُ وَضعِ الحَجَرِ الأَسوَدِ في مَحَلِّهِ اختَلَفَتْ قَبائِلُ مع قُرَيشٍ وَتَشاجَرَتْ فِيما بَينَها ، ذلكَ لأََنَّ كلَّ قَبِيلَةٍ تُريدُ أَنْ تَحظى بِشَرَفِ وَضعِ الحَجَرِ الأََسوَدِ لِما لَهُ مِنَ أَهَمِيّةٍ بالِغَةٍ عِندَ اللهِ تَعالى ، لِهذا كانَتْ كُلُّ قَبِيلَةٍ تَقُولُ : نَحنُ أَولى بِهِ ، نَحنُ نَضَعُهُ
وَبَينَما هُم على هذه الحالِ ، وإذا بِشَخصٍ مِنهُم يَرفَعُ صَوتَهُ قائلاً : مَهلاً يا قَوم ، قَومِ مَهلاً .
صَمَتَ الجَمِيعُ وَراحُوا يَنْظِرُونَ إلَيه بَينما هُوَ يُواصِلُ كَلامَهُ : ما رَأيُكُمْ في أَنْ نَتَحاكَمُ عِندَ أَوَّلِ داخِلٍ عَلَينا منْ بابِ بَني شَيبةٍ ؟
فأجابوا : مُوافِقُونَ .
قالُوا ذلِكَ بَعدَ فَترَةٍ مِنَ الصَمتِ وَالتَشاوُرِ فِيما بَينَهُم ، فُجأةً !! وإذا بالكَعبَةِ تَشِّعُ نُوراً وَتَفُوحُ عَطراً ، فَتَهلَّلَ الجَمِيعُ فَرَحاً ، لَقَد أَطَلَّ عَلَيهِمُ مُحَمَّد ( صلى الله عليه وآله ) ، فَأشرَقَتِ الكَعبَةُ بأَنوارِ وَجهِهِ الكَرِيمِ ، وَراحَ الرِجالُ يُرَدِّدُونَ : إنَّهُ الصادِقُ الأََمِينُ ، الصادِقُ الأََمِينُ ، حَكِّمُوهُ بَيننا .
وَبَعدَ أَن أَخبَرُوهُ بالأََمرِ بَسَطَ رَسُولَ الله ( صلى الله عليه وآله ) رِداءهُ عَلى الأََرضِ ، ثُمَّ تَناوَلَ الحَجَرَ الأَسوَدَ فَوَضَعَهُ فَوقَ الرِداءِ ، وأشارَ إليهِم بأَنْ يَتَقَدَمَ مِنْ كُلِّ عَشِيَرَةٍ رَجُلٌ يُمسِكُ بِطَرفٍ مِنَ الرِداء
فَكانَ مِنهُم عُتبةَ بنَ رَبِيعةٍ مِنْ عَبدِ شَمسٍ ، والأََسوَدَ بنَ المُطلِّبِ مِنْ بني أَسَدٍ ، وَأَبو حُذَيفَةَ بنَ المُغِيرَةَ منْ بني مَخزُومٍ ، وَقيسَ بنَ عَدّي مِنْ بَني سَهمٍ .
فرَفَعَ هؤُلاءِ الرِجالُ رداءَ رَسُولِ الله ( صلى الله عليه وآله ) حَتى أَوْصَلوا الحَجَرَ الأََسوَدَ الذي فِيهِ إلى مُستَوى مَوضِعِهِ ، فَتَناوَلَهُ الرَسُولُ ( صلى الله عليه وآله ) وَوَضَعَهُ في مَحَلِهِ .
فَنالَ ( صلى الله عليه وآله ) بِذِلكَ كَرامَةً خَصَّهُ بها الله تَعالى قبلَ بِعثَتِهِ الشَرِيفَةِ
فقال أحدهم لآخر : يا أخِيَ ، رَوائحُ المِسكُ الاََذفَرِ والنَدِّ - عود طيّب الرائحة يُسمى : البخور - والعَنبَرِ تَعبِقُ فِي كُلِّ مَكانٍ ؟! فأجاب : قَدْ سَمِعتُ بِما هُوَ أَعجَبُ مِن هذا ، قَبلَ ساعَةٍ كانَ عَبدُ المُطَّلِبِ يَطُوفُ بالكَعبَةِ .
فُجأةً وإِذا بالأَصنامِ تَتَساقَطُ وَتَتَناثَرُ ، وَالصَنَمُ الكَبِيرُ يَسقُطُ على وَجهِهِ ، الأََمرَ الذي جَعَلَ عَبدَ المُطَّلِبِ يَخرُجُ مُسرِعاً مِنَ الكَعبَةِ ، وكَأَنَّ ما حَدَثَ أَمامَهُ إشارَةٌ لَهُ على وُقُوعِ حَدَثٍ مُهِمٍّ !!
فقال : حَدَثٌ مُهِمٌّ !! مِثلَ ماذا ؟!
فأجاب : لا أَدرِي ؟!
بَقِيَ الناسُ على هذِهِ الحالِ حَتّى حَضَرَ عَبدُ المُطَّلِبِ فَالتَفَّ حَوَلَهُ أَهلُ مَكَةَ مُستَفسِرِيِنَ فِي دَهشَةٍ بالِغَةٍ ، بَينما كان فرِحاً مُستَبشِراً فَبادَرَهٌم قائلاً :
لقد ولدت آمنة محمداً ، فلمّا رأيت ما حلَّ بالأصنام تلجلج لساني ، وحار عقلي ، وخفق فؤادي حتّى صرت لا أستطيع الكلام .
فخرجت مسرعاً أريد باب بني شيبة - وهي إحدى أبواب الحرم المكّي - وقد رأيت الصفا والمروة يركضان بالنور فرحاً .
ولم أزل مسرعاً حتّى قربت من منزل آمنة ، وإذا بغمامة بيضاء عمّت منزلها ، ولم أعد أبصر طريقي من شدّة تلك الرائحة الطيّبة التي تنبعث من المنزل .
قالَ أَحَدُهُم : إذَن فَقَد رَأَيتَ مُحَمَّدَاً ؟!
فقال : لا ، وَقََد سَأَلتُ آمِنَةَ عنهُ حِينَ دَخلتُ عَلَيها ، فَقالَتْ لِي : قَد حِيلَ بَيِني وَبَينَه ، وَقَد سَمِعتُ هاتِفَاً يَقُولُ لِي : لا تَخافِي عَلى مَولُودِكِ ، سَيُرَدُّ إِلَيكِ بَعدَ ثَلاثَةِ أَيامٍ .
أَقبَلَتْ نِساءُ مَكَةَ على آمِنَةَ بِنتِ وَهَبٍ مُهَنِّئآتٍ لَها ، وَمُندَهِشاتٍ مِنْ عَدِمِ إرسالِ آمِنَةَ في طَلَبِهِنَّ فِي وَقتِ مَخاضِها وَوِلادَتِها .
فَقالَتْ لَهُنّ : طالَما عَجِبتُ حِينَ دَخَلَتْ عَلَيَّ أربَعُ نِسوَةٍ طِوال ، تَفُوحُ مِنهُنَّ رائحَةُ المِسكِ وَالعَنبَرِ ، مُتَنَقِّباتٍ ، وَبِأَيدِيهِِنَّ أَكوابٌ مِنَ البَلُّورِ الاََبيَضِ
فَجَعَلْتُ أَنظُرُ إِلَيهنَّ فَلَمْ أَعِرِفْ واحِدَةً مِنهُنَّ ، تَقَدَمنَّ مِنِّي وَقُلنَ لي : اشرَبِي يا آمِنَةَ مِنْ هذا الشَّرابَ ، فَلَمَّا شَرِبتُ أَضاءَ في وَجهِي نُورٌ ساطِعٌ وَضِياءٌ لامِعٌ ، فَسَأَلتُهُنَّ مُتَعَجِّبَةً مَمّا يَحدُثُ لِي ، فَقُلنَ : أَبشِرِي بِسَيِّدِ الأََوَلِّينَ وَالآخِرِينَ .
مُحَمَّدُ بنُ عَبِد اللهِ بنِ عَبدِ المُطَلِّبِ المُصطَفى ( صلى الله عليه وآله ) ، وإنّا جِئنا لِنَخدِمَكِ فـَلا يَهُمَّكِ أَمرَكِ
وَجَلَسَتْ الحُورِياتُ حَوَلِي ، فَهَوَّمَتْ عَيِناي وَغَفَوتُ غَفْوَةً فَلَمْ أنتَبِه مِنها حَتّى وَجَدتُ المَولُودَ وَقَد وَضَعَ جَبهتهُ عَلى الأََرضِ ساجِداً لله ، رافِعاً سُبّابَتَهُ ، مُشِيراً بها إلى السَماءِ وَهُوَ يُرَدِّدُ : ( لا إِله إِلا الله ) .
وبَعدَ ثَلاثَةِ أَيّامٍ دَخَلَ عَلَيهِ جَدُّهُ عَبدُ المُطَّلِبِ ، فَوَضَعَهُ بَينَ يَدَيهِ فَرِحاً بِهِ مُستَبشِراً ، وَهَوَ يُرَدِّدَ قائلاً : الحَمدُ لله الذي أَخْرَجَكَ بَعَدَ أَنْ وَعَدَنا بِمقدَمِكَ إلينا .
وصَمَتَ بُرهَةً ثُمّ أردَفَ : بَعَدَ اليوِمِ لا أُبالي إنْ أصابَنِيَ المَوتُ
ثُمّ التَفَتَ إلى آمِنَةَ قائلاً : يا آمِنَةَ احفَظِي وَلَدي هذا ، فَسَوفَ يَكُونَ لَهُ شَأنٌ عَظِيمٌ .
كُلُّ هذا الَذِي حَصَلَ جَعَلَ أَهلَ مَكَةَ يَهتَمُّونَ بِمُحَمَّدٍ ( صلى الله عليه وآله ) ، وَعَلى مَرِّ الزَمَنِ عَرِفَ الناسُ أَنَّهُ الوَحَيِدُ الذي يَتَمَتَّعُ بِكافَةِ الخِصالِ الحَمِيدَةِ ، وَالتي كانَ مِنْ أَهَمِّها الصِدقَ والأََمانَةَ ، فَاشتَهَر بَينَهُم بـ (الصَادِقُ الأََمِينُ(
وَذاتَ يَومٍ انهالَتْ السِيولُ غِزيَرةً مِنْ أَعالِي الجِبالِ المُحِيَطةِ بِمَكَةَ المُكَرَّمَةَ ، مِمّا تَسَبَّبَ فِي وُقُوع حادِثَةٍ جَعَلَتْ أَهلَ مَكَةَ فِي حَيَرةٍ مِنْ أَمرِهِمْ ، وَهُم يَنظُرُونَ إلى تِلكَ السُيُولِ التي دَخَلَتْ الكَعبَةَ الشَريِفَةَ فَتَصَدّعتَ جُدرانَها ، وهو الأََمرَ الذي دَعاهُمْ إلى عَقِدِ اجتِماعٍ فِيما بَينَهُم للتَّداوُلِ في أَمرِ الكَعبَةِ .
فقالَ أَحَدُهُم : ما رَأيُكُمْ أَنْ نَهدِمَ الكَعبَةَ وَنَبنِيها مِنْ جَدِيدٍ ؟ فِكْرَةٌ جَيِّدَةٌ ، وَيُمكنُنا أَيَضَاً أَنْ نَزِيدَ في عَرضِها أو ارتِفاعِها
قالها آخَرُ وَأَيَّدَهُ مُعظَمُ الحاضِرِينَ ، وَلكِّنْ سُرعانَ ما أَشارَ إِلَيهِم شَخصٌ ثالِثٌ قائلاً : مَهلاً ، أَلا تَخشَونَ أَنْ تَنزِلَ عَلَينا عُقُوبَةً مِنَ السماءِ ، لَو شَرَعنا بِتَهدِيمِها ؟
فقال : حَقّاً وَلكِنْ ما العَمَلْ إذن ؟!
قالَها مُعظَمُهُم وَقَد تَسَرَّبَ الخَوفَ إلى قُلُوبِهم ، فَأَشفَقُوا مِنْ وَضعِ مَعاوِلهِم فِيها خَشيَةَ نزُولِ العُقُوبَةِ ، وَبَينما هُم على هذِه الحالَةِ قالَ لَهُمْ رَجُلٌ يُدعى الوَلِيدُ بن المُغِيَرةِ : يا قَوم نَحن لا نُرِيدُ إِلاّ الإِصلاحَ ، أُنظُروا سَأصعَدُ أَمامَكُمْ إلى أَعلى الكَعبَةِ وَأُحَرِّكُ حَجَراً مِنها .
وَراحَ الوَلِيدُ بن المُغِيرَةِ يَتَسَلَّقُ جِداراً مِنَ الكَعبَةَ حَتّى وَقَفَ عَلَيهِ ، وَأَهلُ مَكَةَ يُحَدِّقُونَ فِيه ، وَهُوَ يَمُدُّ يَدَهُ لِيُحَرِّكَ حَجَرَاً مِنهُ .
فُجأَةً وإذْا بالصُراخِ أَخَذَ يَتَعالى وَقَد استَبَدَّ الرُعبُ بالناسِ فَراحَوا يَتَضَرَّعُونَ إلى اللهِ : اللهم إنّا لا نُريدُ سِوى الإِصلاحَ !!
لَقَد خَرَجَتْ أَفعى رَهِيبَةً مِنْ خِلالِ الجِدارِ ، مِمّا جَعَلَ الوَلِيدَ بنَ المُغِيرةِ يُسارِعُ بالنِزُولِ وَقَد استَبَدَّ بهِ الفَزَع ، وَلَيسَ هذا فَقَط بَلْ حَتّى الشَمسَ غابَتْ مُنكَسِفَةً مِن جَرّاءِ ذلك ، وفِي هذهِ الأََثناءِ رَفَعَ شَيخٌ صَوَتَهُ قائلاً لَهُم : يا قَومِ ، يا قَومِ ، إِنَّ اللهَ تعالى لا يَرضى أَنْ تُنفِقوا في بِناءِ بَيتِهِ الشَريِف أَموالاً اكتَسَبتُمُوها مِنْ حَرامٍ فليُساهِم كُلُ رَجُلٍ مِنكُمْ في بِناء الكَعبَةِ بِمالٍ طَيِّبٍ اكتَسَبَهُ مِنْ حَلالٍ .
فعَمِلَ الرجالُ بَما سَمِعُوهُ مِنَ الشَيخِ ، حَتّى جَمَعُوا الأَموالَ وَهُم يَقُولونَ : سَنُنُفِقُ هِذه الأَموالَ في بِناء بِيتِ اللهِ الحَرامِ
فَعادَتِ الشَمسُ إلى حالَتِها الطَبِيعيةِ ، وَقد شاهَدَ الناسُ نِسراً يَهبِطُ على جِدارِ الكَعبَةِ ، فَيَلتَقِطُ الأَفعى وَيُحَلِّقُ بِها عالِياً ، فَعَرِفُوا مِن خِلالِ ما حَصَلَ أَمامَهُم أَنَّ الله تَعالى قَد أذِنَ لَهُم فيما صَمَّمُوا عَلَيهِ ، فراحُوا يُباشِرُونَ عَمَلَهُم .
فانهَمَكَ الرِجالُ فِي تَهدِيمِ الجُدرانِ المُتَصَدِّعَةِ حَتّى وَصَلُوا إلى القَوِاعِدِ التي وَضَعَها نَبِيُّ اللهِ إبراهِيمُ الخليلُ ( عليه السلام ) فَأَرادُوا تَحرِيكَها لِتَعريِض الكَعبَةِ الشَريِفَةِ .
ولكِنْ عِندَما شَرَعُوا بِذلِك حَصَلَ ما لَم يَكُن بالحُسبانِ فَقَد اهتَزَتْ الأََرضُ تَحتَ أَقدامَهُم ، وَأَصابَتْ مَكَةَ ظُلمَةٌ شَدِيدَةٌ جَعَلَتهُمْ يَعيشُونَ لَحظاتَ الفَزَعِ مِنْ جَديدٍ .
فَعَرِفوا أنَّ ما أَصابَهُم هُوَ بِسَبَبِ تَحرِيكِ القَواعِدَ فَعَدَلوا عَن ذلِكَ
اِرتَفَعَتْ جُدرانُ الكَعبَةِ الشَرِيَفةِ في بِناءٍ جَدِيدٍ وَقد اشتَرَوا أَخشاباً لِتَسقِيفَها ، وَزِينَةً لِتَزيِّنَها ، وَلمَّا جاءَ دَورُ وَضعِ الحَجَرِ الأَسوَدِ في مَحَلِّهِ اختَلَفَتْ قَبائِلُ مع قُرَيشٍ وَتَشاجَرَتْ فِيما بَينَها ، ذلكَ لأََنَّ كلَّ قَبِيلَةٍ تُريدُ أَنْ تَحظى بِشَرَفِ وَضعِ الحَجَرِ الأََسوَدِ لِما لَهُ مِنَ أَهَمِيّةٍ بالِغَةٍ عِندَ اللهِ تَعالى ، لِهذا كانَتْ كُلُّ قَبِيلَةٍ تَقُولُ : نَحنُ أَولى بِهِ ، نَحنُ نَضَعُهُ
وَبَينَما هُم على هذه الحالِ ، وإذا بِشَخصٍ مِنهُم يَرفَعُ صَوتَهُ قائلاً : مَهلاً يا قَوم ، قَومِ مَهلاً .
صَمَتَ الجَمِيعُ وَراحُوا يَنْظِرُونَ إلَيه بَينما هُوَ يُواصِلُ كَلامَهُ : ما رَأيُكُمْ في أَنْ نَتَحاكَمُ عِندَ أَوَّلِ داخِلٍ عَلَينا منْ بابِ بَني شَيبةٍ ؟
فأجابوا : مُوافِقُونَ .
قالُوا ذلِكَ بَعدَ فَترَةٍ مِنَ الصَمتِ وَالتَشاوُرِ فِيما بَينَهُم ، فُجأةً !! وإذا بالكَعبَةِ تَشِّعُ نُوراً وَتَفُوحُ عَطراً ، فَتَهلَّلَ الجَمِيعُ فَرَحاً ، لَقَد أَطَلَّ عَلَيهِمُ مُحَمَّد ( صلى الله عليه وآله ) ، فَأشرَقَتِ الكَعبَةُ بأَنوارِ وَجهِهِ الكَرِيمِ ، وَراحَ الرِجالُ يُرَدِّدُونَ : إنَّهُ الصادِقُ الأََمِينُ ، الصادِقُ الأََمِينُ ، حَكِّمُوهُ بَيننا .
وَبَعدَ أَن أَخبَرُوهُ بالأََمرِ بَسَطَ رَسُولَ الله ( صلى الله عليه وآله ) رِداءهُ عَلى الأََرضِ ، ثُمَّ تَناوَلَ الحَجَرَ الأَسوَدَ فَوَضَعَهُ فَوقَ الرِداءِ ، وأشارَ إليهِم بأَنْ يَتَقَدَمَ مِنْ كُلِّ عَشِيَرَةٍ رَجُلٌ يُمسِكُ بِطَرفٍ مِنَ الرِداء
فَكانَ مِنهُم عُتبةَ بنَ رَبِيعةٍ مِنْ عَبدِ شَمسٍ ، والأََسوَدَ بنَ المُطلِّبِ مِنْ بني أَسَدٍ ، وَأَبو حُذَيفَةَ بنَ المُغِيرَةَ منْ بني مَخزُومٍ ، وَقيسَ بنَ عَدّي مِنْ بَني سَهمٍ .
فرَفَعَ هؤُلاءِ الرِجالُ رداءَ رَسُولِ الله ( صلى الله عليه وآله ) حَتى أَوْصَلوا الحَجَرَ الأََسوَدَ الذي فِيهِ إلى مُستَوى مَوضِعِهِ ، فَتَناوَلَهُ الرَسُولُ ( صلى الله عليه وآله ) وَوَضَعَهُ في مَحَلِهِ .
فَنالَ ( صلى الله عليه وآله ) بِذِلكَ كَرامَةً خَصَّهُ بها الله تَعالى قبلَ بِعثَتِهِ الشَرِيفَةِ
زائر- زائر
رد: قصة ولادة الرسول صلى الله عليه وسلم
مشكوووووووووووووووووووووووووووووووووووووووووووووووووووووووووووووووورة
زائر- زائر
مواضيع مماثلة
» غذاء الرسول صلى الله عليه و سلم
» من وصايا الرسول صلى الله عليه و سلم
» سر إسم '' محمد '' صلى الله عليه وسلم
» 50دعاء عن الحبيب صلى الله عليه وسلم
» جمال النبي صلى الله عليه وسلم
» من وصايا الرسول صلى الله عليه و سلم
» سر إسم '' محمد '' صلى الله عليه وسلم
» 50دعاء عن الحبيب صلى الله عليه وسلم
» جمال النبي صلى الله عليه وسلم
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الخميس سبتمبر 27, 2007 12:10 pm من طرف ToReZ
» مــــــواقـــــع تــــهمـــــك ..
الإثنين سبتمبر 24, 2007 4:38 pm من طرف زائر
» رمضان كريم
الإثنين سبتمبر 24, 2007 2:25 pm من طرف ToReZ
» فوتو شوب CS2 9.0 Final
الإثنين سبتمبر 24, 2007 3:57 am من طرف زائر
» بيجامات روعه
الأحد سبتمبر 23, 2007 7:31 pm من طرف زائر
» كنلونى باللحمه المفرومه
الأحد سبتمبر 23, 2007 5:27 pm من طرف زائر
» كوكتيل الجمبري
الأحد سبتمبر 23, 2007 5:25 pm من طرف زائر
» طاولات كمبيوتر أنيقة وجديدة
السبت سبتمبر 22, 2007 8:44 am من طرف ToReZ
» ملابس جميلة جدا
الجمعة سبتمبر 21, 2007 11:12 pm من طرف زائر